إن الساهو الذين يتخذون من سفوح سلسلة جبال "أكلي قوزاي" ومنطقة سمهر في إريتريا مقراً لإقامتهم، هم من أكثر شعوب إريتريا تعميراً ورسوخاً فيها. ولفترة تجاوزت الثلاثة آلاف عام من تاريخهم المتعارف عليه، شهد الساهو ازدهار وسقوط العديد من الحضارات في المنطقة. غير أنه لسوء الطالع لم يتمكن المتعلمون والصفوة من أبناء الساهو وغيرهم من بذل أي محاولات لتوثيق هذا التاريخ الغني بتراثه والذي ينسب الى الساهو. ومن هذا المنطلق يجدر القول إن المصادر الخاصة بمعرفة البنية الاجتماعية وطريقة الحياة وتاريخ وحضارة الساهو، تعد شحيحة.
إن المعلومات المعروضة في هذا الموقع، والتي نعدها جهداً معقولاً في محاولة لردم تلك الهوة، هي عبارة عن جهود يبذلها أفراد مهتمون وذوو رغبة في هذا الشأن، ونأمل أن يكون ذلك حافزاً لمن هم أكثر دراية وأوسع علماً من أبناء الساهو ومن غيرهم، أفراداً كانوا أو مجموعات للمساعدة في دفع الجهود قدماً بغرض توثيق تاريخ وحضارة وثقافة الساهو..
حتى الآن ليس هناك إحصاء سكاني رسمي يحدد عدد سكان إريتريا. ومع كل فإن من المعلوم أن قومية الساهو تمثل ثالث أكبر قومية فى إريتريا. ويقدر العديد من المراقبين عدد سكان الساهو بما يزيد قليلاً عن 10% من مجمل سكان إريتريا الذي يقدر بحوالي 3.1 مليون نسمة.
تقيم غالبية قبائل الساهو في داخل إريتريا، ولكن هناك بعض قبائل الساهو التي تقيم على طول المساحات الحدودية لإريتريا مع إقليم التقراي في إثيوبيا. وفي إريتريا تقيم الساهو بشكل أساسي في السفوح الشرقية من سلسلة تلال أكيلي ـ غوزاي وسمهر حيث يحتلون ما يقدر بـ 60% من المساحة الكلية للأرض هناك. كما يشاهد
الساهو أيضاً مستقرين في اختلاط تام مع المجتمعات الناطقة بلغة التجرينية في اجزاء من أقاليم المرتفعات الإريترية (اكلي قوزاي وسرايى وحماسين). وينصهرون أيضاً مع القبائل الناطقة بالتجري في الأراضي المنخفضة (سمهر وبركة)، وبالمقدار نفسه مع قبائل العفر التي تسكن السهول الشرقية من مناطق ساموطي ووانقبو.
التركيبـــــــة الاجتماعيـــــــــة:
التلاحم الاجتماعي والتنظيم المتميز الذي تتسم به مجموعات الساهو هو نتيجة تسلسل بعيد الغور في المحافظة التقليدية على الأنساب القبلية في المجتمع، وهو النسب الذي يتصل مباشرة بجهة الأب الذي يتحدر من صلبه بقية أفراد الأسرة. هذا التنظيم الأسري والمحافظة على طريقة السكن في مجموعات وداخل مساحات بعينها، يمكن تحديده طبقاً لقواعد وأسس المجاملة بالمقابل. هذه القواعد هي التي تشكل الأسس لتركيبة المجتمع بأكملها والتي تتم ترجمتها في شكل شروط وقيود سياسية بين شرائح المجتمع.
تتكون الأسرة من قطاعات وشرائح أولية في نطاق تركيبة الأنساب القطاعية العامة. هذه التركيبة ،إذا أخذت بمجملها، تحدد شكل الحقوق على امتلاك الأرض ويدخل في ذلك بصفة خاصة مسألة الرعي وهي مسألة مهمة بموجبها يمكن لكل أسرة أن تتمسك بموقعها من واقع نَسَبها وتحدرها الاجتماعي.
ينبني التنظيم الاجتماعي للساهو على مبدأ القرابة والتحدر العائلي، وهناك الكثير من القبائل المتفرعة من بطون القبائل الكبيرة وهي بالتالي تنتسب الى الجد الأكبر للقبيلة. وهذه القبائل الفرعية تعرف باسماء "كيشو" و "ميلا" أو "عرى". وكل قبيلة فرعية مقسمة الى مجموعات قرابة متعددة تعرف بإسم "دك" أو "أبوسه"، وهي عادة تحمل أسماء الأفراد المؤسسين للعصب النَسَبي.
تتشارك كل قبائل الساهو في اللغة والثقافة والتاريخ. ورغم ذلك فليست كل قبائل الساهو ذات صلة مشتركة في المنشأ، أو يتبعون الى نسب ينتمي الى جد واحد لهم. وكانت أولى قبائل الساهو التي ظهرت مبكراً وعرفت بإسم "بارو عمباليش" أي اصحاب الأرض، هي قبائل كابوتا، وإدّة، وعسابورا، وغدافور. أما قبائل الساهو الموجودة الآن فهي القبائل التي حلت محل تلك القبائل القديمة. وعموماً فإن هذه القبائل قد تبنت لغة الساهو وثقافتها الحالية، فيما جاء آخرون أيضاً ليقيموا معهم في حوالي سنة 800 ميلادية وكان ذلك بغرض نشر الدين الإسلامي. وقد تمكن الوافدون الجدد أيضاً من تبني والتأقلم تدريجاً على لغة الساهو وأصبحوا يشكلون جزءاً من قبائل الساهو.
يمكن تقسيم قبائل الساهو االمعاصرة الى 11 مجموعة قبلية، ولكل قبيلة رئيسا او زعيما واحداً يسمى ( ريدانتو ) وهو يترأس نظاماً توريثياً. وفي درجة أقل من "زعيم القبيلة" يأتى رؤساء عشائر الذين تطلق عليهم أسماء "نبرا" و "تشيقا".
وان زعماء القبائل هؤلاء يمارسون أدواراً في غاية الأهمية من حيث أعمال الوساطة بين المتخاصمين من عشائرهم بالتضامن مع المسنين ذوي المكانة المرموقة في العشيرة، وكذلك يستخدمون في التشاور والتباحث مع العشائر الأخرى في الأمور التي تهم الطرفين. إن أكثر القرارات الجماعية أهمية هو ما يعكس شعوراً بالاتفاق الجماعي العام وسط المسنين بصفة خاصة.
لغـــــة الســـاهو:
تنتمي لغة الساهو الى أسرة اللغات الآفرو- آسيوية التي كانت تعرف سابقاً باللغة الحامية-السامية. وكلا التعبيرين "سامية" و "حامية" في حقيقة الأمر هما تعبيران لغويان فقط ولا يقصد بهما أي تصنيفات عرقية. إذ هما لا يشيران الى أي مجموعات عرقية أو إثنية، بل يشيران فقط الى مجموعات لغوية محددة. فالشخص السامي هو الذي يتحدث اللغة السامية، والشخص الحامي هو الذي يتحدث اللغة الحامية. وهذا هو التصنيف الصحيح دائماً رغماً عن سوء الاستخدام الشائع لهذين التعبيرين لدى العامة.
ومن جهة عامة تعد شبه الأسرة الحامية ممن تضم اللغة المصرية القديمة ومشتقاتها اللغات القبطية والبربرية، واللغات الكوشية. هذه الألسن الحامية كانت وما تزال هي الناطقة في شمال إفريقيا، وفي غالبية منطقة الصحراء الكبرى، ومنطقة القرن الأفريقي واجزاء من وسط وغرب إفريقيا. وأطلقت عليها الحامية نسبة الى حام وهو الإبن الثاني للنبي نوح عليه السلام والذي يفترض أن احفاده هم المتحدثون الأصليون باللغات الحامية.
اللغات المتحدرة من الأسـرة الآفرو-آسيوية أو الأســرة الحامية–السامية تشمل تقريباً كل لغات الشرق الأدنى وشمال إفريقيا. وتتكون الأسرة الآفرو-آسيوية من ستة أفرع متضامنة، وكل فرع يحمل مجموعته الخاصة من اللغات المصرية، السامية، والبربرية، والكوشية، والقماطية، والتشادية. وطبقاً لإحدى النظريات يعتقد بأن لغات الأسرة الآفرو-آسيوية أول ما بدأ التحدث بها كان ذلك على سواحل البحر الأحمر، وهناك نظرية أخرى تشير الى أن لغات هذه المجموعة قد استقر بها المقام في إفريقيا، أساساً لوجود كل عناصر ومقومات حياتها في إفريقيا، على عكس بعض اللغات السامية التي واجهت بعض التحديات في منطقة جنوب غرب آسيا. أما ظاهرة وجود اللغات السامية في غرب آسيا فيمكن تفسيرها بافتراض ان الناطقين بالسامية الإفريقية كانوا قد هاجروا في الأزمنة الغابرة من شرق إفريقيا الى غرب آسيا حيث استوطنوا، وفي تاريخ لاحق عاد بعض الناطقين باللغة السامية من منطقة شبه الجزيرة العربية ليستقروا مجدداً في إفريقيا.
ينتمي الساهو والعفر الى فرع اللغة الكوشية. كما تشمل هذه الأسرة أعضاء آخرين مثل الأرومو، والصومالية، والبداوية ولغة الأغاو.
النظام القاعدي في لغة الســاهو:
اللغات الآفرو-آسيوية بما فيها لغة الساهو، إضافة الى مصدر مشترك لأكثر الذخائر اللغوية قدماً، وفضلاً عن بعض جوانب التشابه في عملية الإعراب والتركيب اللغوي ما يجعلها أكثر وثوقاً وقرباً ببعضها، هو نظام نطق الحروف الساكنة. وفي هذا النظام فإن غالبية الكلمات تحتوي على ثلاثة أحرف ساكنة، وقلة منها تحتوي على حرفين ساكنين أو تحتوي (إلى مدى أقل أحياناً) على أربعة أحرف ساكنة. وفي أي من هذه الكلمات، يطلق على هذه الأحرف الساكنة إسم "القاعدة"، وهذه القاعدة ذات صلة بالمفهوم العام من وراء معنى الكلمة. وعادة فإن القاعدة غير قابلة للتغيير، برغم أنها قد تتعرض للتصريف النحوي بواسطة استعمال أدوات التصريف الزائدة التي تدخل على القاعدة، وكذلك بإدخال الأدوات التي تضاف في أول الكلمة أو آخرها، وكل ذلك من شأنه أن يرمز الى التغييرات النحوية بحسب الحالة، ويؤدي الى تكوين كلمات جديدة ذات صلة بالمعنى.
والأكثر تميزاً هو أن الحروف المتحركة في القاعدة ـ وما يتبعها من طريقة نطقها ـ تتغير اعتماداً على كيفية استعمال القاعدة في اي جزء معطى من الحديث، أي في حالة الإسم، أو الفعل، أو في شكل تركيبة محددة، أو أي صيغة أخرى للفعل ...الخ. أما نموذج استعمال الحروف المتحركة وتغييراتها فيطلق عليه إسم "الخطة". وعليه فإن القاعدة والخطة هما العنصران الأساسيان اللذان يؤسسان الكلمة في اللغات الآفرو- آسيوية. وكمثال؛ في لغة الساهو فإن القاعدة التي تتلاءم مع مفهوم كلمة "رقص" هى rigdo هي التعامل مع أحرف r – g – d . وفي ما تظل هذه الأحرف الثلاثة الساكنة(r g d) دائماً على حالها، فإن التغيير يصيب "الخطة" وطريقة النطق اعتماداً على نوعية الاستعمال، وكمثال:
النظام الاجتمــاعي- الاقتصـــادي:
"لا تمثل شحة المادة المكتوبة فقط عن الساهو وعفر عنصر الصعوبة للكتابة والتحليل، بل ايضا كان للطبيعة المجحفة لنوعية المادة المكتوبة عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأثر الكبير في صعوبة التوصل الى الهدف المطلوب. إن عفر والساهو، شأنهما شأن كل القبائل الرعوية في أي منطقة في العالم، تجرعتا مرارة الظلم من جراء إحجاف المادة المكتوبة والتقارير الواردة بشأنهما من جيرانهما من القبائل والشعوب المستقرة، وأخيراً من تقارير المستعمر. إن عبارات مثل: عنيف، وغير متمدين، وعدواني .. ليست إلا صفات لا يكاد يخلو منها أي تقرير أو مجلة أو أي مادة مكتوبة عن الساهو وعفر!" [دكتورعبدالقادر شيخ محمد 1977: 10 ]
يمتهن حوالي ثلث سكان الساهو حياة البداوة أسلوباً لمعيشتهم، ويعتمدون اقتصادياً في هذا المجال على مواشيهم من الثيران والضأن والأغنام والجمال، فيما يقنع بقية السكان بحرفة الزراعة الرعوية.
ملكية الأراضــي:
كشأن غالبية المناطق في إفريقيا لمرحلة ما قبل الاستعمار، فقد كانت الأراضي خاضعة عموماً تحت سيطرة القبائل، وبسبب هذه الملكية العمومية للأراضي، كان من اليسير على قوات المستعمر أن تنزع تلك الأراضي من قبضة القبائل البدوية. لقد أعلن الإيطاليون ملكية الأراضي التي كانت تحت سيطرة القبائل الرعوية لصالح الدولة، ومن المدهش ايضا ان الحكومة الإريترية اخفقت فىإصدار صيغة لحقوق ملكية الأراضي للدولة حينما أعلنت قانون إصلاح الأراضي لعام 1994.
اما الأنواع الثلاثة لملكية الأرض السائدة حالياً في أوساط الساهو فهي:
1. أراضٍ إقليمية، وهي عبارة عن رقعة جغرافية محددة امتلكها السكان المقيمون كمجموعة، بغض النظر عن انتماءاتهم القبلية.
2. أراضٍ قبلية، وهي الأرض المملوكة على أساس قبلي. وفي هذا النوع من الملكية فإن الأسرة لا تملك حقوقاً محددة تجاه الأرض.
3. أراضٍ عائلية أو شبه عشائرية، وهذه أراضٍ كانت تحت حماية عائلات بعينها نسبة لنشاطها الرعوي فيها أو بالاتجاه نحو استغلالها زراعياً.
10 التعليقات:
الأخ صاحب المدونة لو تكرمت هل يمكن أن توضح لي نقاط محددة:
1- كم نسمة عدد الناطقين بالساهو.
2- ما هو مذهبهم الفقهي؟ بمعنى هل يتبعون المذهب الحنفي كلهم أم بعضهم شوافع مثلاً؟ وإذا كانوا يتبعون أكثر من مذهب فقهي فكم نسبة الأحناف فيهم.
لو تكرمت أريد إجابة سريعة لأنني سأقدمه في ورقة بحثية علمية.
هذا وشكرا
وهذا بريدي الالكتروني:
affamohammed@yahoo.com
اهلين
في تقديري غالبية قبائل الساهو هم من تابعي مذهب أبو حنيفة أما عن التعداد من الصعب التكهن بذلك نسبة لعدم وجود احصائيات دقيقه.تجدهم بصورة رئيسية في إقليم اكلي غزاي وسمهر ودنكاليا و اعداد قليلة في سراي قاس بركة.
مبدع ماشاء الله
اعتذر لظروف خارجة عن ارادتي لم أتمكن من الرد خاصة على الأخ unknown 10 وانا متأكد ان المعلومة في حينها كانت ستكون افيد من الآن عل أية الساهو مذهبهم مذهب الإمام ابو حنيفة النعمان اما عن تعدادهم فليس هناك أرقام احصائية دقيقة إلا أن تعدادهم في زمن الانجليزي كان يمثل ١٠٪ من إجمالي سكان ارتريا وهي تمثل ثالث اكبر قومية في ارتريا.
u.s شكرا لك علي رفع المعنويات والتشجيع وجبر الخواطر من اعظم القربات الى الله
شكرا علي المرور والاهتمام
يا مرحبا
شكرا على مرورك والاهتمام بالمدونة رغم حذف التعليق
إرسال تعليق